أمسكت
بالقلم مفكرًا فيما سأكتب، بحثت عن فكرة قد تكون باقية من الأفكار التي طردتها
بالأمس، فلم أظفر بشيء.
قبل
أن أترك القلم من يدي وجدتها، فقد كانت منزوية في ركن مظلم من عقلي، تبدو عليها
علامات الضعف والإعياء، وكأنها في الرمق الأخير.
أخرجتها
إلى النور عازمًا الاعتناء بها، بعد لحظات وجدت الكلمات تتدفق على الورق، ترصد
تفاصيلها الدقيقة، فما لبثت أن تشكلت قصة تنبض بالحياة.
عرضتها
على من أثق برأيهم، فأظهروا أعجابهم بالفكرة، وأسلوبها، وتناسقها، وحسنها،
وجمالها، و ... الخ.
أعدت
قرأتها فهالني ما رأيت، فقد صارت قصة فاتنة أخذت بلبي، وتعجبت كيف أصبحت الفكرة
الواهية - التي وجدتها حين أردت أن أكتب شيء، أي شيء - كعروس في يوم زفافها، أو
كفراشة ودعت شرنقتها منذ قليل.
وجدت
نفسي تخاطبني قائلة: أيها الاديب، لقد تعجبت منك أكثر من تعجبك من فكرتك، فلقد
رأيتك تحنو عليها، وكأنها طفل صغير ضاع من والديه، فغدوت مكانهما، وشملتها
برعايتك، وسهرت الليل حتى تورمت عيناك، وأنت تنتقى لها أبلغ الألفاظ، وأرق
العبارات، وأتيت لها بأحسن الأقوال وسليم المعاني.
فقلت
لنفسي: إنما تعجبي من إضاعتي لأفكار كثيرة، كانت تحلق حولي، كما يحلق الفراش حول
النار، وكنت انتحى منها جانبًا، فتلح على، وأجد لها طنيناً كطنين النحل، فأتضايق
منها وأنهرها، فتذهب الأفكار غاضبة، ولا أُخفيك ِ سرًا فلم أكن متضايقًا ولكني كنت
مشغولًا بأمور غير ذات بال، وكانت الأفكار في كثير من الأحيان قوية، ولكنه الكسل
ذلك العدو الخفي.
فقالت
نفسي: دع عنك ما فات فلن يأتي الندم بشيء سوى الحسرة والضيق، بل قد يصل بك إلى
الاكتئاب، وها أنت قد تعلمت من هذه الفكرة البسيطة المتهالكة درساً أحسب أنك لن
تنساه ما حييت، وحينما تأتيك فكرة أخرى أسكنها دفترك، وتعهدها بالرعاية فقد يأتي
اليوم الذي ترتدي فيه فكرتك ثوباً جميلاً، فتتباهى بها عندما تقول للناس هذه
فكرتي.
0 التعليقات
إرسال تعليق