ارتديت ملابسي على عجل، وودعت أمي بقبلة على جبهتها قبل أن أغادر المنزل، شايعتني بدعواتها لي بالتوفيق والعودة سالمًا، طيلة الطريق كنت أفكر في الأسئلة المحتملة من المحامي، والذي أرسلني صديقي إليه كي أتدرب في مكتبه.
تذكرت كل ما قاله لي صديقي عن المحامي، هيئته، شخصيته، وقوة حجته أثناء المرافعة، حتى تمنيت أن أصبح مثله يومًا ما، فالمحاماة تمثل لي حلمًا كبيرًا، جاهدتُ من أجله طيلة أربع سنوات، قضيتها بين أروقة الجامعة ومكتباتها حتى نلت الشهادة، واﻵن واتتني الفرصة لأحقق هذا الحلم، فهل سأصبح محامٍ شهير مثله؟
لم أجد أحدًا فأدرت نظري في المكان، وقبل أن أكتشفه بالكامل، خرج أمامي الساعي فارتبكت، أخبرته أني جئت من أجل التدريب، ولي الشرف أن أتدرب مع الأستاذ، رمقني بنظرة تعجب، وأشار لأحد الكراسي وانصرف، وقبل أن أجلس عاد وأشار لي أن أتبعه، فتح الباب وانصرف.
كانت هيئته وامتداد شاربه يشعراني بالهيبة والوقار، ولا ينقصه سوى طربوش على رأسه، حتى يصير وكما وصفه صديقي أنه (باشا).
أقبل الساعي وأخبره بوصول أحد الموكلين، فنظر إليّ قائلاً: "حظك بمب، هتشوف طريقتي في معاملة الزباين، وازاي باقنعهم بأي حاجة".
رد عليه الأستاذ: "أهلًا أهلًا يا مراحب، أزيك يا معلم".
سرحتُ في حلمي الذي رأيته يتحطم أمامي في أول يوم لي في المحاماة، فهل هذا هو الشخص الذي تمنيت منذ قليل أن أصبح مثله، يا لخيبة أملي، ويا لتعاستي، هل أستمر في هذه المهزلة وأتقبل التدريب لديه؟ هل أغض الطرف عن أسلوبه في المعاملة، وطريقته في الكلام؟
أعلم أن أمي تنتظرني لتفرح بي، فهي تحلم مثلي أن أصبح محام كبير، ولكن لن أستطيع أن أحقق حلمي وحلمك يا أمي، لن أتخلى عن مبادئي، فليست هذه هي المحاماة التي حلمت بها.
( تمت )
0 التعليقات
إرسال تعليق